المواطن/ كتابات – وسام محمد
الشباب في صنعاء بدئوا بالخروج الى الشارع في 15 يناير. الاحزاب عملت هبة شعبية في 3 فبراير. ثم التحقت بالساحات بعد اسبوعين من 11 فبراير.
لكن كيف أصبح هذا التاريخ 11 فبراير محل اتفاق الجميع انه يوم اندلاع الثورة ولماذا؟
عندما اعلن حسني مبارك عن تنحيه, خرجت جموع كبيرة في أغلب المدن الى الشارع ابتهاجا بهذا الانتصار الذي حققته الثورة المصرية.
لكن في تعز كان الأمر مختلف ومن هنا جاء اعتماد 11 فبراير كيوم لانطلاق الثورة. ثلاثة اشياء على الاقل حدثت وساهمت في ذلك:
الشيء الأول خروج الناس بالألاف ومن تلقاء انفسهم مبتهجين بتنحي مبارك ويهتفون الشعب يريد اسقاط النظام. من عاش في تعز خلال السنوات التي سبقت فبراير سيعرف عمق وأهمية ما حدث ليلتها.
آخر احتجاج فعلي شهدته تعز, كان قد حدث في العام 1992 اثناء اعلان الجرعة السعرية. وقد اعقب تلك الاحتجاجات اعمال فوضى بدفع من اجهزة النظام كمبرر لاعمال قبضتها الامنية. ومن يومها توقفت الناس عن الخروج والاحتجاج. مهما يكن فقد جاءت حرب 94 ووضعت حدا لكل شيء ولم تعد الناس تصدق الديمقراطية او تثق بالسياسة. كل الفعاليات التي شهدتها تعز خلال الفترة الممتدة من 92 وحتى فبراير 2011. كانت بلا قيمة حقيقية. اما لأنه خروج من المساجد بعد صلاة الجمعة للتضامن مع فلسطين او لبنان. واما لأنه خروج تبذل فيه الاحزاب جل طاقتها وتكون النتائج اقل من عادية. مع وجود استثناءت بسيطة, اتذكر ثلاث منها.
_ المشاركة الواسعة في تشييع جنازة رمزية لجار الله عمر.
_ المشاركة الواسعة في مهرجان بن شملان في ميدان الشهداء في الانتخابات الرئاسية في 2006.
_ المشاركة الواسعة في الهبة الشعبية التي دعا لها المشترك يوم 3 فبراير وبتأثير من ثورتي تونس ومصر.
هذه المناسبات المتباعدة لم تكن لترشح تعز للقيام بأي دور ثوري. ربما ان مناسبتين لا علاقة لهما بالسياسة كانت اكثر ادهاشا. الاولى بمناسبة فوز فؤاد عبدالواحد بلقب فنان الخليج والثانية بمناسبة فوز برشلونة بأحدى البطولات في مواجهة ريال مدريد. في المناسبتين خرج الاف الشباب منتصف الليل وظلوا يجوبون الشوارع بجنون لن يتكرر الا مع اندلاع الثورة.
اذن كسر تعز لقاعدة الجمود ليلة 11 فبراير كان بمثابة تحول مفصلي في مسار الاحتجاج الشعبي وانطلاق الثورة.
الشيء الثاني الذي حدث وجعل من 11 فبراير يوما لانطلاق الثورة, هو أنه بعد انتهاء مسيرات الاحتفاء بسقوط مبارك وترديد الشعارات المطالبة باسقاط النظام, عاد الجميع ادراجه باستثناء عشرات الشباب الذين باتوا في الشارع حتى فجر اليوم الثاني لضمان استمرارية التظاهر. وكان لهذا دوره فعلا في بقاء الاحتجاجات متواصلة, واستمر المبيت في الشارع ثلاث ايام وباعداد كبيرة قبل ان ينتقل الاحتجاج الى جوار محطة صافر وتأسيس ساحة الحرية كأول ساحة اعتصام.
اذن السمة البارزة التي عرفت بها الثورة والمتمثلة بساحات الاعتصام والاحتجاج المتواصل, هذه السمة كانت قد بدأت مع خروج الناس للشارع يوم 11 فبراير في تعز. ثم توالت عملية تأسيس ساحات في معظم مدن اليمن خلال الاسابيع اللاحقة.
الشيء الثالث الذي كان له دور بارز في اعتماد 11 كيوم لانطلاق الثورة, هو ان الشباب غير المسيسين وغير المنتمين الى احزاب, عندما شاهدوا كيف ان الاحزاب انقضت على ساحة الاعتصام في تعز وكيف هيمنت على المنصة (الاصلاح تحديدا) فزعوا ولم يجدوا من طريقة لتمييز انفسهم سوى بالتشبث بكونهم شباب 11 فبراير, اي الشباب الذين بادروا لاشعال الثورة.
طبعا من سخف الاحزاب انها حاولت فعلا ان تصادر على الشباب هذا المنجز البسيط عندما حاولوا ان يسوقوا ان يوم انطلاق الثورة كان يوم هبتها في 3 فبراير. لكن الشباب غير المتحزبين تخلوا عن المنصة وتمسكوا بتعريف انفسهم بأنهم شباب 11 فبراير وبأن هذا هو يوم انطلاق الثورة. وكان لهم سطوة حقيقية في الساحة. لدرجة ان المخبرين الذين زج بهم النظام للساحة أصبحوا يقدمون انفسهم ضمن شباب 11 فبراير رغم ان التحاقهم كان متأخرا. من جهتهم الاصلاحين مثلما هم اليوم كانوا حريصين على تقديم انفسهم كجزء مما هو طاغي. وكأنه لا يمكن الاعتراف بثوريتهم الا اذا قالوا انهم من شباب 11 فبراير.
كانت هذه الاشياء الثلاثة باعتقادي أهم العوامل التي جعلت الجميع يقتنع بعد ذلك ان 11 فبراير هو يوم انطلاق الثورة. إضافة لدور تعز الطاغي بعد ذلك والذي حافظ على قدر من استقلاليته بعكس صنعاء التي سلمت امورها للأحزاب والعسكر والخطباء. مثلا خروج مسيرة بعظمة مسيرة الحياة من تعز باتجاه صنعاء في الوقت الذي كانت قوى الهيمنة قد آخذت تفكر كيف ترفع الساحات وتخليها لم يكن امرا عاديا. لهذا كان لمسيرة الحياة الكلمة الأخيرة ومفتتح الكلمات. فهي ثورة داخل الثورة, وحدث لم يشهد له التاريخ مثيلا. حتى مسيرة غاندي لا يمكن مقارنتها بها.